لقد كثر التشكي في هذا العصر من خطر اللغات الأجنبية التي أمست في مجتمعاتنا كالشر الذي لا مناص منه، فقد اختلط العالم بعضه ببعض، فأمسى مختلطا اختلاط الحابل بالنابل. إنه أمسى كالقرية الصغيرة ــ كما يقال، إذ لا شيء يقع في أقصى العالم إلا ويعرف في حينه بواسطة وسائل الإعلام المتطورة، حتى كأن الحدث وقع أمامك فأنت تنظر إليه.
وعلى أن من الناس من لا يخشى هذا الاختلاط، ولا يتحسس أخطاره، ويراه وضعا قائما تعيشه البشرية، على هذا العهد، فلا يوجس في نفسه خيفة. غير أن هذا الموقف الحضاري غير سليم لأن الاختلاط الفوضوي، أو اختلاط الغالب بالمغلوب، والقوي بالضعيف، يعني الذوبان والفناء للطرف المغلوب على أمره، وهو نحن العرب.
وقديما كانت قريش ترسل بأطفالها إلى البادية لينشأوا على تكلم العربية الفصيحة القحة خوفا عليهم من اختلاط اللسان، وعار العِي، لأن مكة المكرمة كانت مقصودة يأتي إليها الناس ــ كما لا تزال ــ من كل فج عميق، للحج والتجارة، فكانت عاصمة العرب قبل الإسلام.
ولما ضعف العرب، ضعفت لغتهم، واضطربت أحوالهم، فأمسوا يبالغون في حب اللغات الأجنبية إلى حد العشق المحموم! وذلك من حيث زهدوا في تعلم لغتهم، ففقدوا الحساسة اللغوية التي تحملهم على تدقيق استعمال عربيتهم، والإلمام الكافي بنحوها، حتى إن بعض المعلقين الرياضيين اغتدوا يرفعون المجرور بتقعر وتفاصح وهم لا يعلمون!
وإذا كان أمر اللغة الفرنسية استفحل في بلاد المغرب، فإن وضع الإنجليزية تفاقم في بلاد المشرق، فالعرب في ذلك، بنعمة الله، سواء: مشارقتهم ومغاربتهم، وذلك حتى لا يعيب أحد منهم آخر! والمصيبة إذا عمت هانت!
حقا، إن من تعلم لغة قوم أمن شرهم، وأفاد مما لديهم من معرفة وحضارة، ولكن على أن يكون ذلك بالزهد الشنيع في تعلم لغة القرآن العظيم، تعلما عاليا، يفضي إلى النقاء من العجمة، وإلى الصفاء في استعمال العربية، لا أن نعلم هذه اللغات الغربية أطفالنا وهم في المهد، أو نترك الخدم يعبثن بتربيتهم وتلقينهم إنجليزية هندية، أو فرنسية زنجية، فينشؤون أعيياء، لا يستطيعون ارتجال كلمة باللغة العربية في موقف عام، فالفصاحة شيمة من شيم الرجل العربي، أم نتنكر لأرومتنا فنمسي لا نحن إلى هؤلاء، ولا نحن إلى أولئك؟...
تعلم اللغات يبدأ أبدا باللغة العربية، ثم يقع التفكير في تعلم اللغة الثانية، وربما الثالثة، وإلا فالمسؤولية التاريخية والأخلاقية للآباء وأولي الأمر، في ذلك، قد تبلغ حد الشناعة.
وعلى أن من الناس من لا يخشى هذا الاختلاط، ولا يتحسس أخطاره، ويراه وضعا قائما تعيشه البشرية، على هذا العهد، فلا يوجس في نفسه خيفة. غير أن هذا الموقف الحضاري غير سليم لأن الاختلاط الفوضوي، أو اختلاط الغالب بالمغلوب، والقوي بالضعيف، يعني الذوبان والفناء للطرف المغلوب على أمره، وهو نحن العرب.
وقديما كانت قريش ترسل بأطفالها إلى البادية لينشأوا على تكلم العربية الفصيحة القحة خوفا عليهم من اختلاط اللسان، وعار العِي، لأن مكة المكرمة كانت مقصودة يأتي إليها الناس ــ كما لا تزال ــ من كل فج عميق، للحج والتجارة، فكانت عاصمة العرب قبل الإسلام.
ولما ضعف العرب، ضعفت لغتهم، واضطربت أحوالهم، فأمسوا يبالغون في حب اللغات الأجنبية إلى حد العشق المحموم! وذلك من حيث زهدوا في تعلم لغتهم، ففقدوا الحساسة اللغوية التي تحملهم على تدقيق استعمال عربيتهم، والإلمام الكافي بنحوها، حتى إن بعض المعلقين الرياضيين اغتدوا يرفعون المجرور بتقعر وتفاصح وهم لا يعلمون!
وإذا كان أمر اللغة الفرنسية استفحل في بلاد المغرب، فإن وضع الإنجليزية تفاقم في بلاد المشرق، فالعرب في ذلك، بنعمة الله، سواء: مشارقتهم ومغاربتهم، وذلك حتى لا يعيب أحد منهم آخر! والمصيبة إذا عمت هانت!
حقا، إن من تعلم لغة قوم أمن شرهم، وأفاد مما لديهم من معرفة وحضارة، ولكن على أن يكون ذلك بالزهد الشنيع في تعلم لغة القرآن العظيم، تعلما عاليا، يفضي إلى النقاء من العجمة، وإلى الصفاء في استعمال العربية، لا أن نعلم هذه اللغات الغربية أطفالنا وهم في المهد، أو نترك الخدم يعبثن بتربيتهم وتلقينهم إنجليزية هندية، أو فرنسية زنجية، فينشؤون أعيياء، لا يستطيعون ارتجال كلمة باللغة العربية في موقف عام، فالفصاحة شيمة من شيم الرجل العربي، أم نتنكر لأرومتنا فنمسي لا نحن إلى هؤلاء، ولا نحن إلى أولئك؟...
تعلم اللغات يبدأ أبدا باللغة العربية، ثم يقع التفكير في تعلم اللغة الثانية، وربما الثالثة، وإلا فالمسؤولية التاريخية والأخلاقية للآباء وأولي الأمر، في ذلك، قد تبلغ حد الشناعة.